السبت، 6 فبراير 2016

سر عداء قطر لمصر

 

                                    سر عداء قطر لمصر


العداءات المتبادلة بين أي دولتين، قد تحتم أولاً وقبل أي شيء، وجود توازن أو على أقل تقدير تقارب في القوى بينهما. قس على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق، فيما بعد الحرب العالمية الثانية وطيلة سنوات الحرب الباردة. غير أن تحرشات دويلة قزمة مساحةً وتاريخاً وثقافة وتأثيراً في محيطها الإقليمي، بدولة كبرى على مختلف الأصعدة، حتى ولو كانت الأخيرة في أضعف حالاتها، إنما لا ينطلق إلا من ثلاث فرضيات: غباء سياسي، أو جهل بالقدرات، أو تنفيذ أجندات خاصة بآخرين.


في حالة العداوة القطرية المقيتة لمصر تجتمع الفرضيات الثلاث معاً. الدوحة قررت ببساطة أن تعادي سلطة 30 يونيو، ومن خلفها الشعب المصري وإرادته، شراءً لخاطر جماعة فاشية انتهازية لم تعد تعرف إلا لغة الإرهاب والقتل والترويع، هي جماعة الإخوان المسلمين، أو بمعنى أصح تودداً لمن يقف ورائها.

بينما تظن الإمارة الضئيلة المطلة على الخليج العربي خطأً، أن طفراتها الاقتصادية الهائلة المرتكزة خلال العقدين الأخيرين على بحور من الغاز الطبيعي، فضلاً عن كيانها الإعلامي القوى المتمثل في شبكة قنوات الجزيرة، ستغطي على عقد النقص التي تعانيها الدوحة لضآلة تعدادها السكاني، وغياب أي دور حقيقي لها في المحيطين العربي والدولي، منذ أن نالت استقلالها عام 1971.

عقد النقص القطرية، وبعد استيلاء أميرها السابق، حمد بن خليفة آل ثاني، على الحكم بخلع أبيه منتصف تسعينيات القرن الماضي، وبمساعدة رئيس وزرائه الأشهر، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، تم تغطيتها بما يمكن وصفه بـ فوبيا الاقتناء والشراء وربما الرشاوى .

الدوحة ضخت مليارات مرعبة، فوق وأسفل الترابيزة ، لشراء مهرجانات ثقافية وسينمائية وبطولات رياضية لتقام على أراضيها، ومن ثم تلتفت إليها الميديا العالمية، فضلاً عن اقتناصها ملكية عدد من أندية كرة القدم الأوروبية، ومجموعة من سلاسل المتاجر والشركات الكبرى في القارة العجوز والولايات المتحدة الأمريكية. وحين أثمرت تلك الصفقات بمردود جيد، امتد الأمر لشراء الحركات الانفصالية والمنظمات المناوئة للسلطة في عدد من الدول العربية والإسلامية، بحيث يمكن توجيهها بما يحقق مصالح حلفاء الأمير من جهة، ومن جهة أخرى تظهر أسرته كوسيط بين الدول وبين الحكومات وحركات المعارضة في عدد من الأقطار، بما يوحى زوراً أن قطر قد باتت تملك نفوذاً سياسياً كبيراً.

لكن فات قطر، وهي تحاول ستر عورتها أمام دول عربية مؤثرة في المنطقة كالمملكة العربية السعودية ومصر بسلاح المال فقط، أن الكبير لا يهتز على طول الخط تحت ضغط حروب البنكنوت مهما طالت. كما أن فساد القيادات وتكلس عقولها وترهل نظم حكمها في بعض الدول لفترات قصرت أو طالت، لا يعنى انكسارها للأبد. المصريون وحدهم قاموا بثورتين، وخلعوا ثلاثة نظم للحكم، وصنعوا دستورين للبلاد، في أقل من سنتين ونصف.

الرغبة القطرية المجنونة في لعب أي دور بالمنطقة حتى ولو كان سيئ السمعة، وفي الجلوس على موائد القوى العظمي، وفي مقدمتها واشنطن، حتى لو كان ذلك من باب التخديم لا الند، حوّل الدوحة بين ليلة وضحاها لذراع غربي صهيوني في الخليج بامتياز.

على أرض قطر تستقر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية بالمنطقة (قاعدة العديد)، وهناك أيضاً يتواجد مكتب تمثيل تجاري إسرائيلي، كما أن اللاعبين الإسرائيليين ضيوف دائمين على بطولات الدوحة الرياضية، قادة ووزراء ورموز العسكرية الإسرائيلية من الوجوه المعتادة على شاشات الجزيرة. بل أن القصر الأميري يتبنى مشروعاً ضخماً، وقفت القاهرة عقبة كبيرة أمام تنفيذه منذ سنوات، لتحويل ميناء إيلات الإسرائيلي لأكبر منفذ إقليمي للغاز الطبيعي المسال. فضلاً عن استخدام أمريكا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي وربما تركيا أيضاً أموال القطريين لتغيير التركيبات السياسية في بعض الدول الملتهبة، ولعل أهمها لبنان وسوريا.

ما سبق يمكن وصفه بالخريطة الكاملة لعقد النقص القطرية، لكن ماذا عن عداء الدوحة للقاهرة.. ما السر فيه على وجه التحديد؟.. الموضوعية تحتم أولاً الاعتراف بأنه لولا الانهيار الحاد الذي أصاب الدولة المصرية على كافة الصعدة داخلياً وخارجياً طيلة العقود الثلاثة الماضية، ما كانت ألاعيب الإمارة الصغيرة قد وجدت أدنى صداً لها. لكن عندما يغيب الكبير، يتصدر المشهد المدعين والانتهازيين وأشباه المؤثرين.

ثانياً، في عهد مبارك، توترت العلاقات المصرية القطرية، على وقع تدخل القطريين المفاجئ في ملفات تعتبرها القاهرة حصرية لها، وخاصة ملفات حماس وفتح بفلسطين، وجنوب السودان والحركات الانفصالية السودانية، ناهيك عن الدور التحريضي لقناة الجزيرة ضد مبارك وحاشيته، وكذا الغيرة القاتلة بين سيدتي القصر في الدوحة والقاهرة (موزة وسوزان ثابت). وهو ما يفسر مثلاً دعم قطر و جزيرتها المطلق لـ25 يناير.

بعد خلع مبارك، لم يكن هناك أي مبرر لعداوة القطريين للقاهرة. عدوهم الأكبر أزيح عن الحكم. كما أن الأمير تغير في الدوحة. حمد بن خليفة آل ثاني تنازل عن السلطة لنجله تميم. الجميع توقع تغييراً في العلاقات المصرية القطرية صوب التناغم لا التنافر.

إلا أن الدعم الأعمى للإخوان المسلمين من جانب الدوحة، وخاصة بعد فيضان 30 يونيو وإزاحة الرئيس المعزول عن قصر الاتحادية، وترك العنان لـ الجزيرة مباشر مصر ، على وجه الخصوص، للتحريض على الشعب المصري، وتبني أكاذيب التنظيم، وأهمها أن ابعاد الإخوان عن الحكم كان انقلاباً عسكرياً، فضلاً عن احتضان قطر للعديد من رموز الجماعة وحلفائها من التيارات التكفيرية الهاربة، حول كراهية المصريين للإمارة إلى تحريم بغض شديد.

مراوغة الدوحة كذلك للتهرب من كل المساعي الخليجية، وخاصة التي تبذلها الرياض وأبو ظبي، للمصالحة مع القاهرة، وما يتصاعد من أنباء من آن لآخر، عن تقديم قطر وكذا تركيا، دعماً مالياً كبيراً للإخوان لمواصلة حرق الشارع المصري ومواجهة الجيش والشرطة والشعب، وضرب خارطة الطريق، وما بدأ يتسرب بقوة في الفترة الأخيرة، منسوباً لمصادر استخباراتية متعددة، عن أن الإمارة الصغيرة سعت جدياً لشراء أسلحة ومنحها لمقاتلين وشباب سلفي وإخواني بسيناء لتشكيل الجيش المصري الحر، على غرار الجيش السوري الحر، لإشعال حرب أهلية بين المصريين، كل ذلك زاد من غضب القاهرة تجاهها.

بيان الدوحة الأخير الذي زعم أن الأمن المصري يقتل الإخوان في الشارع، ضرب حظوظ المصالحة مع القاهرة. يبدو أن القطريين فقدوا اتزانهم. ضياع الفرصة الذهبية التي منحها لهم الإخوان، بالسيطرة على حاكم قصر الاتحادية، والتحكم في مصر من الباطن، واقتناص مشروعاتها الكبرى كمحور قناة السويس، أصابهم بجنون الانتقام من كل ما يمت الصلة بـ30 يونيو. إضافة لاستمرار الإمارة في دورها المعهود بممارسة ضغط بالوكالة عن واشنطن على مصر.

صحيح أن الوساطات الخليجية لم ترفع الراية البيضاء بشأن المصالحة بين مصر وقطر، ولكن ستظل على أرضية القرارات الأخيرة لمجلس التعاون الخليجي، التي اقرت دعم مصر وأمنها، باعتباره من ركائز أمن المنطقة كلها، وشددت على الدعم الاقتصادي والاستثماري المطلق لها بكل قوة.

أيضاً انحياز جامعة الدول العربية لقرار مصر اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، وإبلاغها جميع الدول الأعضاء بهذا الأمر، بل ونقل طلب القاهرة للدوحة بتسليم الهاربين لديها، وفي مقدمتهم عاصم عبد الماجد، يؤشر بأن الخليج جاد في تلطيف العلاقات بين القاهرة والدوحة، لكن وفق وجهة النظر المصرية في كل الأحوال.

ما يبقى فقط أن تكون السلطة المصرية، على قدر الحدث. في لحظة معينة لا يجب أن تكون القاهرة في خانة رد الفعل فقط. يجب البحث عن أدوات لوقف تجاوزات الدوحة، بعيداً عن عبارات صبرنا نفد ، أو سنسحب السفير للتشاور بعد الاستفتاء ، وغيرها من عبارات الاستهلاك المحلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق